بقلم / د. سعد الدين إبراهيم ..المصريون فى الخارج مُنزعجون مما يحدث فى الداخل

كثيراً ما ينزعج المصريون فى الخارج مما يحدث لأهلهم داخل مصر، وربما أكثر كثيراً، من المواطنين فى مصر نفسها، ويرجع ذلك إلى الطبيعة المُثيرة التى تُصاحب أخبار مصر، ومن ذلك ما تناولته وسائل الإعلام العالمية حول مُحاولات الأجهزة الأمنية المصرية التجسس على مقر الحملة الانتخابية للدكتور محمد البرادعى، من خلال أجهزة تنصت فى مكتب السيد عبدالرحمن يوسف، مُدير الحملة.

ولأننى أكتب مقال هÐ هذا الأسبوع عن العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث أشارك فى اجتماع دورى للمنظمات المصرية فى أمريكا الشمالية، فقد لاحقنى عدد من الصحفيين الأمريكيين بأسئلة من قبيل: ما مغزى هذا الاكتشاف؟ وهل سيكون له نفس تأثير اكتشاف مُشابه، فى واشنطن منذ رُبع قرن، أو أكثر قليلاً، وعُرف وقتها باسم فضيحة «ووترجيت»، التى أدت إلى الإطاحة برئيس أمريكا فى ذلك الوقت، وهو الرئيس ريتشارد نيكسون؟

ولمن يسمعون عن فضيحة ووترجيت، لأول مرة، تتلخص الوقائع فى أن بعض أنصار الرئيس الجمهورى ريتشارد نيكسون، فى غمرة حماسهم للتأكد من إعادة انتخابه، قاموا بزرع أجهزة تنصت فى مقر حملة المُرشح الديمقراطى المُنافس له. وذلك على أمل الحصول على معلومات تُسىء إلى ذلك المُرشح، أثناء الحملة الانتخابية، وبالتالى تقوّض من فرصه بالفوز فى الانتخابات. وكان هذا المقر فى بناية جديدة للمكاتب تُعرف باسم «ووترجيت». وكان من سوء حظ المتآمرين، أن أحد الحُراس الليليين شعر بحركة غير عادية فى أحد الطوابق، فأبلغ الشرطة، التى جاءت على عجل وقبضت على المُتسللين لمكاتب الحزب الديمقراطى، الذين اعترفوا فى التحقيقات، بأنهم كانوا يفعلون ما يفعلون لحساب حملة الحزب الجمهورى، أى حزب الرئيس ريتشارد نيكسون، وبتكليف من أحد المسؤولين فى الحملة.

ثم اتجهت الشكوك للرئيس نيكسون نفسه، وعما إذا كان على علم مُسبق بمُحاولة التجسس تلك؟ وبعد طول أخذ ورد، وبتعيين الكونجرس محققاً خاصاً من خارج الحكومة، إمعاناً فى تأكيد استقلاليته، ثم بعد سجال عنيف حول جواز مثول الرئيس الأمريكى للتحقيق، رغم أن لديه حصانة دستورية ضد المُساءلة القضائية، طالما كان يشغل المنصب الرئاسى. كان المَخرج هو أن يقوم الكونجرس نفسه بالمُساءلة، ثم يُقرر هو (أى الكونجرس) ما إذا كان يوجه له لوماً أم يعزله من الرئاسة. وبعد سنتين من السجال، قرر الرئيس نيكسون الاستقالة، حسماً للجدل والانقسام فى المجتمع الأمريكى كله، من أدناه إلى أقصاه.

وكانت إجاباتى عن أسئلة الصحفيين الأجانب تتلخص فى الآتى:

١- من حيث الجوهر، هناك تشابه بين ما حدث فى أمريكا من تجسس حزب حاكم (الجمهورى) على حزب مُنافس (الديمقراطى)، ومن حيث إحساس الحزب الحاكم بتهديد الطرف الذى يتحداه أو يُنافسه.

٢- ولكن من حيث ضغط الرأى العام، واستقلالية أجهزة التحقيق، واحترام السُلطة التنفيذية للسُلطة القضائية، والامتثال لأوامرها، فشتان ما بين مصر ٢٠١٠، والولايات المتحدة، وقت ووترجيت (١٩٧٢) أو فى أى وقت من تاريخها كبلد مُستقل.

ولكن الأمر فى حالة تجسس الحزب الوطنى على مقر حملة البرادعى يتجاوز الخطيئة القانونية، إلى ما ينطوى على «إفلاس أخلاقى»، و«بلطجة سياسية».

فمن حيث «الإفلاس الأخلاقى»، فإن سلوكيات التجسس تعنى «عدم القدرة» أو «عدم الرغبة» فى احترام قواعد «المُنافسة السياسية». والأمر هنا يُشبه مُباراة لكُرة القدم، مثلاً، يلجأ فيها أحد الفريقين إلى ارتكاب مُخالفات جسيمة، على أمل ألا يراها، أو يراها ويتجاوز عنها حكم المُباراة ومُساعدوه.

ومن حيث إنها «بلطجة سياسية»، فهى تنطوى على تصميم من مرتكبها على الاستمرار فى مُخالفة القواعد وانتهاك الضوابط، دون وازع داخلى، ودون خشية من أى رادع خارجى، عملاً بالقول المأثور «إن لم تستحِ، فافعل ما شئت».

وتوقف المُشاركون المصريون طويلاً عند مُناقشة أحد الروادع الخارجية، وهو المُراقبة الدولية على الانتخابات.

وقيل حول هذه النقطة:

١- إن حكومة الحزب الوطنى، من خلال أحد أبواقها، وهو ما يُسمى المجلس القومى لحقوق الإنسان، تدعى أنه (أى المجلس) وعدداً من المنظمات الأهلية، التى تدور فى فلكه، «كفيلة بمُراقبة الانتخابات على خير وجه». ومن ثم، فليست هناك حاجة لدعوة مثل هؤلاء المُراقبين، أو السماح لهم بدخول البلاد، أو المقار الانتخابية، يوم الاقتراع (٢٨/١١/٢٠١٠)!

وطبعاً، فإن حقيقة الأمر، هى نيّة مُبيّتة على التزوير، لكى يفوز الحزب الوطنى الحاكم، ليس فقط بأغلبية مقاعد مجلس الشعب، ولكن أن تصل هذه «الأغلبية» إلى «الثلثين»، حيث إن هذه النسبة لتمرير قوانين بعينها مثل الترشح لرئاسة الجمهورية، وفرض قوانين الطوارئ.

وقد تساءل بعض المُراقبين الأجانب:

١- لماذا تُكلف حكومة الحزب الوطنى خاطرها بعقد الانتخابات أصلاً، ما دامت ستزوّرها، وتأتى بنتائج على هواها؟

٢- فى وجود حالة تزوير واضحة وفاضحة للانتخابات، لماذا لا يثور ولا يحتج المصريون، أسوة بما فعله الشعب الفلبينى (ضد الرئيس ماركوس) منذ ثلاثين عاماً، أو الشعب الأوكرانى منذ عشر سنوات، أو الشعب الإيرانى فى العام الماضى؟

وفى معرض الإجابة عن السؤال الأول، قال بعض المُشاركين، إن النظام يلجأ إلى لعبة الانتخابات، حتى يُضفى على وجوده بعض الشرعية، ولو فى الخارج، حيث إن الأغلبية فى الداخل تعتقد، صحة أو خطأ، أن الانتخابات تزوّر.

وفى معرض الإجابة عن السؤال الثانى، قيل إن الأغلبية الساحقة (٧٥% على الأقل) تُقاطع الانتخابات، مثلما أثبتت تقارير رصد مُحايدة للانتخابات ٢٠٠٥. أما لماذا لا يحتج المصريون، فقد كانت الإجابة تتمثل فى رقم ١.٤ مليون، هم رجال قوات «الأمن المركزى»، الذين يتم تدريبهم أساساً على استخدام العنف ضد المُظاهرات، أو حتى ضد أى صوت احتجاجى، حتى لو كان من طالبة، مثلما تناقلت وسائل الإعلام ما حدث للطالبة سُمية أشرف على يد ضُباط الحرس الجامعى، الذين كانوا تابعين لنفس جهاز شرطة وزارة الداخلية.

ولم يفت البعض مُلاحظة أن حجم جهاز الأمن المركزى (١.٤ مليون) أصبح يفوق جيوش فى المنطقة. أى أن التهديدات الخارجية، أصبحت فى نظر النظام أقل خطراً من التهديدات الداخلية، فلا حول ولا قوة إلا بالله.